.

.

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا: الخطاب الدينى المسيحى لا ينادى بتكفير الآخر.. والملحدون يعودون بعد جلسات "لطف" و"طبطبة".. الدولة ضعيفة أمام جلسات القضاء العرفى وخطورتها أنها تجعل الناس تنتمى للمتشددين

نقلاً عن جريدة اليوم السابع:

الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا
بالكثير من التواضع والمصارحة والمكاشفة، استقبلنا الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا، وفتح قلبه وأجاب فى هذا الحوار على كل الأسئلة الشائكة المتعلقة بملفات الإلحاد وكيفية تعامل رجال الدين المسيحى مع الشباب الذين يضلون طريقهم إلى الإلحاد ثم يعودون إلى الدين بعد جلسات وصفها بجلسات «اللطف والطبطبة»، لافتا إلى أن الشك هو طريق الإيمان القويم، وليس العكس، وتطرق «مكاريوس» إلى جلسات القضاء العرفى التى تنتهى بتهجير الأقباط، مؤكدا أن الدولة ضعيفة أمامها، مشددا على احترامه لتوجهات الرئيس عبدالفتاح السيسى ورؤيته للحكم، ورفض ما يشاع عن وجود مؤامرة تحاك ضد البابا، وإلى نص الحوار..

فى تقديرك كيف تتم محاربة التعصب الطائفى وتأسيس الحريات الدينية؟
- محاربة التعصب تحتاج إلى تنمية فى المجتمع على ستة محاور، الأول هو الخطاب الدينى، والثانى المنهج التعليمى، والثالث المعلم، والإعلام، والحكومة، والبيت، الذى يبدأ منه التعصب أو التسامح، أما تطوير الخطاب الدينى فهو ضرورة لأن رجل الدين هو الأشد تأثيرًا فى المجتمعات الشرقية.

كلامك يعنى أن الدولة العلمانية ستحل المشكلة؟
- ينظرون إلى الدولة المدنية باعتبارها علمانية كافرة، فتم استبدالها بكلمة دولة حديثة، والعلمانية هى أن ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ولدينا مثال حى على دولة الفاتيكان وهى دولة دينية، ورئيسها بابا روما ولكنها تعتمد قوانين مدنية وليست كنسية.

على ذكرك تطوير الخطاب الدينى ألا ترى أن الخطاب المسيحى أيضًا يحتاج لتجديد؟
- الخطاب المسيحى يحتاج لمراجعة ولكنه ليس خطابًا خطيرًا فلا ينادى بتكفير الآخر، أو كراهيته، أو قتله، بل ينادى بالتمسك بما عندك ومحبة الآخرين، وهناك نسبة تحتاج لمراجعة وما أقوله موجود أكثر فى الخطاب الإسلامى، وبشفافية كبيرة أسمع ذلك نهارًا جهارًا على المنابر وسبابا وإهانات، فهناك من يعيشون معنا ولكن على المنابر يتحولون إلى أشخاص آخرين، والنقطة الأهم هى أن المنهج التعليمى ملىء بالمغالطات، والأخطر من ذلك المعلمون القائمون عليه.

كيف ترى دور الدولة فى هذا الإطار؟ وما اقتراحاتك لما يعرف بجلسات القضاء العرفى؟
- الحكومة عليها عبء كبير، ففى المنيا تعقد جلسات قضاء عرفى وعلى الدولة ألا تقبل بها لأنها دولة مؤسسات، ولكن هناك ضغوط للقبول بجلسات القضاء العرفى، الدولة ضعيفة، ومشكلة القضاء العرفى أنه يرسخ إحساسا لدى البعض بأن الحكومة غير قوية، وأن الكلمة العليا للمتشددين والخارجين على القانون فينتمى الفرد للمتشددين أكثر من الوطن.

هل يحل قانون دور العبادة الموحد أزمة الجلسات العرفية التى تحدث غالبًا بسبب مشكلات بناء الكنائس؟
- لا يمكن أن يحل وحده، يكفى رجل أمن متشدد، وهناك الكثير منهم، يكفى أن يقول الحالة الأمنية لا تسمح، وهى عبارة كفيلة بإيقاف قرار رئيس الجمهورية، وهو أمر يتوقف على الشرطى ووطنيته، وأحيانًا نصادف رجال أمن غير وطنيين.

كيف تتصرف فى حال انتهاء جلسة عرفية بتهجير الأقباط؟
- لدى خطابان، الأول مع أجهزة الدولة وأتكلم بصراحة شديدة، والخطاب الثانى لشعب الكنيسة أقول لهم: تعايشوا مع كارهيكم وحبوا الآخرين لأنكم ستعيشون معًا أما إذا قلت لهم طالبوا بحقوقكم، فسوف تحدث احتكاكات طائفية لأن الأمن غير موجود بكثافة، ولو كان لدينا قانون يستطيع أن يوقف المتشدد عند حده لاستطاع القبطى أن يطالب بحقوقه لكن الأمن يغض الطرف والقضاء العرفى يأخذ وضعه، والحكومة صامتة ودور الجلسات العرفية هو معالجة البعد المجتمعى فى المشكلة، وتطبق ما تتفق عليه الدولة وتحتوى الأمر، ولكن ما يحدث أن القضاء العرفى يتولى القضية برمتها.

هل لمست تغييراً فى التعامل الأمنى مع قضايا الأقباط قبل وبعد الثورة؟
- لا تغيير فى سلوكيات الأمن تجاه الأقباط، وما تغير لدى الأقباط هو أن صوتهم أصبح أعلى، ونحن نعترض ونشجب وندين ولكنه فى النهاية مجرد كلام.

على ذكر الأمن كيف تصرفت حين تعرضت لحادث إطلاق نار فى إحدى القرى؟
- كنت فى طريقى إلى واجب عزاء بقرية من القرى مهملة ومهمشة، وتشهد غيابا أمنيا وهى على حدود الجبل، ومليئة بالأسلحة المهربة من ليبيا، قبل أن أصل البلد بكيلو واحد نصحونى بالعودة، فرفضت أن أعود حتى لا أقدم نموذجا سيئا، ولما وصلت على مدخل القرية سمعت صوت أسلحة متطورة مثل الجرينوف وغيرها، ربما كانوا يرغبون فى ترهيبى ومجرد «شو» ولا يستهدفون قتلى، فلم أخف.

أثار قانون الأحوال الشخصية الجديد الكثير من الجدل داخل الكاتدرائية حتى أنه دفع الشباب للتظاهر داخل أسوارها.. كيف تقرأ تلك الأزمة؟
- التظاهر موقف لا يعول عليه كثيرا، وهناك الكثير من الأقباط لا يستطيعون مواصلة العيش معًا كزوجين وهم شباب ويبحثون عن حلول، هل ينفصلون أم يتطلقون؟، الانفصال قرار شخصى، والكنيسة لا تطلق إلا بعد حكم من القضاء المدنى، وبعدما تصدر المحكمة المدنية حكمها لا نمنح تصريح الطلاق إلا بعد التأكد من عدم مخالفته للإنجيل، والناس لا يطالبون بمخالفة الإنجيل بل يطلبون المرونة وهناك منفذ للطلاق هو بطلان الزواج أى حدوث خداع فى شروط العقد، بمعنى أنه ولد ميتًا، والمنفذ الثانى هو تغيير الدين،

 فوضعوا سببًا مثل الإلحاد أى عدم وجود دين نهائيًا، ووضعوا أيضًا أسبابا أخرى مثل الجنون الكلى والإدمان والإعاقة، وكل هذه الأطروحات محل نقاش، والكنيسة تخشى أن تفتح الباب أمام تلك الحالات مما يقوض الأسرة، وننتظر تصويت المجمع المقدس على قانون الأحوال الشخصية حول اللائحة الجديدة، ونحاول أن نتفق مع باقى الكنائس، وفى حالة عدم التوصل إلى اتفاق كلى سوف نخصص بابا لكل كنيسة.

ألا ترى أن الطلاق بسبب الزنى يصم الأسرة بالعار؟
- نعم، ففى حال صدور حكم زنى يقوض الأسرة، والفكر المسيحى جعل من الزوجين واحدا، والكنيسة تمنح التصريح للمجنى عليه فى حالة الزنى، وهناك صعوبة فى إثبات الزنى، حتى لو وجدنا صورا وخطابات متداولة من الصعب إثبات وقوع الزنى.

على ذكر الإلحاد.. كيف تقيّم خطاب الكنيسة فى مواجهته؟
- هو خطاب عقلانى، والإلحاد أحيانًا «بيطلع موضة»، مثل أن الشاب ذكى جدًا ومفكر فيقول لنفسه: كيف أخضع لقوانين إلهية؟ وهناك إلحاد لأسباب مواقفية، كأن يكون له طلب عند الله ولم يستجب، فيأخذ موقفا من الله، وفى أحيان أخرى يصادف الشخص مواقف ليس لها تفسير، مثل مريض لا يشفى، أو أن يقابل ظواهر يعجز عن حلها، مما يشككه فى وجود الله، ولكن بقليل من العطف والتفاهم، كثير جدًا ممن كانوا يستخدمون لغة الملحدين بشىء من اللطف و«الطبطبة» تراجعوا عن موقفهم من الإلحاد.

شخصيًا كيف تتعامل مع قضية الإلحاد؟
- فى رأيى أن الإلحاد درجة مهمة قبل الإيمان القويم، ومرحلة الشك مهمة جدًا، فالشك هو الرواق الذى لا بد للمرء أن يجتازه حتى يصل إلى الإيمان السليم، لازم نشك، ومن يشك يعنى أنه «عايش»، والشك مثل الألم فمن يتألم يعنى أنه يحيى بيننا، أما إذا توقف عن الألم فقد مات.

هل تتفق مع ما طرحه وكيل البطريركية من وجود مؤامرة على البابا تواضروس بالإضافة إلى ظهور حركات تدعو لعزله؟
- هناك تعبير من البعض عن الاعتراض على قرارات البابا، ولكن لا يصل إلى أنه مؤامرة أو لوبى داخل الكنيسة، ولكنهم يستعيرون آليات وتعبيرات جرى استخدامها فى الثورة مثل مؤامرة وتمرد، والثورة غيرت طريقة التعبير، فى البداية كان هناك من يرفع لافتة داخل الكاتدرائية أو يرسل سؤالا، أما الآن فلجأوا للتظاهر مثلما حدث فى الثورة.

تدخلت مطرانية مغاغة فى قضية صفر الثانوية العامة الذى حصلت عليه الطالبة مريم.. هل كان على الكنيسة أن تتدخل؟
- لدينا مشكلة هى أن الدولة عندما تتقاعس عن القيام بدورها يلقى الأقباط بأنفسهم فى حضن الكنيسة، وهو أمر لا يرضينى ولكنه واقع موجود، كلما شعروا بالظلم لجأوا إلى الكنيسة، وزير التعليم خرج وقال تأكدت أنه ليس خطها قبل أن يصدر تقرير المعمل الجنائى، فشعرت البنت بالظلم، وأنا ضد تدخل الكنيسة فى الأمر، وكلما جاءنى أحد بطلب يخص الدولة أنصحه بالتوجه إلى مؤسسات الدولة، وحصار الأقباط يشعرهم أن الكنيسة هى البديل، الكنيسة لها دور وهو دور رعوى وروحى وليس تنمويا، وما يحزننى أن الكثير من الأقباط المتفوقين يهاجرون، والمسلمون أيضا، مما يزيد من فقر البلد، فلماذا تغيب لدينا القدرة على رعاية الموهوبين؟!

كيف تقيّم الأوضاع السياسية لمصر حاليًا؟
- هناك خطة طموحة لرئيس الجمهورية، وأحترم رؤيته وتوجهه، ولكن خططه تحتاج لوقت طويل بعدما ورث تركة ثقيلة، والأهم أن هناك رؤية، وسرعة تغيير المسؤولين وخاصة الصف الأول منهم، لا تؤدى إلى تحقيق الأهداف كلها، ولكن علينا أن نغير موظفى الصف الثانى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق